عيد الولاية
أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرَّجيمِ
بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصّلاةُ والسّلامُ على سيدِنا محمّدٍ وآلِه الطّيبينَ الطّاهرينَ، واللعنُ الدّائمُ على أعدائِهم أجمعينَ.
الحمدُ للهِ الّذي جعلَنا من الُمتمسّكينَ بِولايةِ أَميرِ المُؤمنينَ (صلوات الله عليه) والأئمةِ الطَّاهرينَ (صلوات الله عليهم أجمعين).
قال اللهُ تعالى: " يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ "1.
عندمَا نتأملُ هذهِ الآيةَ الشّريفةَ نُلاحظُ الخِطابَ الاستثنائيَّ الذي خُوطِبَ به (صلى الله عليه وآله)، بدءً من كلمةِ (يا أيها الرسولُ) التي لم تَرِد في القرآنِ الكريمِ إلا مرتين، هنا يَقعُ التّساؤلُ أنَّ الخطابَ القرآنيَّ لماذا استعملَ كلمةَ الرسولِ بدلاً من غيرِها، ليُبيِّنَ ويُشيرَ بأنَّ الولايةَ تُكمِلُ الدينَ وتُتِمُّ النِّعمةَ، ومن دونِها يبقى الدينُ ناقصاً، لذا قالَ اللهُ تعالى: " وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ".
وأيضاً نلاحظُ الاستثناءَ الزّمانيّ والمكانيّ، الذي هيَّأّ له رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله) قَبلَ الحَجِّ إذ بعثَ إلى المُسلمينَ في أقطارِهم وأمصَارِهم بأَنَّه سيحجُّ هذا العامَ، لِيُبَلغَ رسالتهُ ويُقيمُ عليهم الحجةَ البالِغةَ، في أكبرِ تَجمّعٍ للمسلمينَ بعدَ أداءِ فريضةِ الحَجِّ، عندَ مفترقِ الطُّرقِ في غديرِ خمٍ، فتوقَفَ النبيُّ (صلى الله عليه وآله) وأمَرَ أن يُلحقَ بهِ مَن تَأخَرَ عَنهُ ويَرجعَ مَن تَقدَّمَ عليهِ، وكانَ الجوُ حَارَاً جِداً حتى كانَ الرجلُ مِنهم يَتَصبَبُ عَرَقاً وبعضَهم كانَ يضعُ رِدَاءهُ على رأسهِ والبعضُ الآخر تحتَ قدميهِ لاتقاء شِدَةِ الحرِ، وأدركَتهم صلاةُ الظهرِ فصلى (صلى الله عليه وآله) بالناسِ، ومُدت له ظِلالٌ على شجراتٍ، ووُضِعت له أقتابُ الإبلِ بعضُها فوقَ بعضٍ حتى صارت كالمِنبَرِ فوقَفَ عليها، لكي يُشاهِدَهُ الجميعُ، ورَفعَ صَوتَهُ مُلقياً فيهم خُطَبتهُ البليغةُ التي ما زالت تصكُ سمعَ الدهرِ، حيثُ افتتحَها بالحَمدِ والثناءِ على الله سبحانه وتعالى ورَكزَ حَدِيثَهُ حولَ شخصيةِ خليفتِهُ الإمامِ أميرِ المؤمنينَ (صلوات الله عليه) وذكرَ فضائلَه ومناقبَه ومنزلتَه الرفيعةَ عندَ اللهِ ورسولِه، وأمرَ الناسَ بطاعتهِ وأهل بيتهِ الطاهرينَ (صلوات الله عليهم أجمعين)، وأنَّ شيعتَهم في الجنةِ ومُخالفِيهم في النارِ.
وكانَ مما قالَهُ (صلى الله عليه وآله): إنَّ اللهَ مولاي، وأنا مولى المؤمنينَ، وأنا أولى بهم من أنفُسِهم، فمَن كُنتُ مَولاه فعليٌ مَولاه: يقولُها ثلاثَ مراتٍ إلى أن قالَ: فليُبلغ الشاهدُ منكم الغائبَ2.
فهنا يَفهمُ العاقلُ أنه بملاحظةِ الخِطاب والزمانِ والمكانِ الاستثنائيّ، فكلُّ هذه القرائن تمنعُ من حملِ لفظةِ (المولى) على الحبيبِ والصديقِ والحميمِ، ولا يقرُّ بها عاقلٌ يحترمُ عقلَه، أو شخصٌ سليمُ الذوقِ والحسِّ الأدبيِّ.
فمِن خِلالِ هذهِ المُقدّماتِ المذكورةِ يَتضِحُ جَلياً أنَّ المرادَ من كلمةِ (المولى) بأنَها إعلانٌ أنَّ علياً (صلوات الله عليه) أميراً للمؤمنين وخليفةً للرسولِ الأمين (صلى الله عليه وآله).
فالولايةُ آخرُ فَرِيضةٍ فَرَضَها اللهُ عز وجل على عبادهِ، فقد وردَ عن أبي جعفرٍ (صلوات الله عليه): " إنَّ الفريضَةَ كانت تنزلُ ثم تنزلُ الفريضةُ الأخرى، فكانت الولايةُ آخرَ الفرائضِ، فأنزلَ اللهُ تعالى: " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا "، فقال أبو جعفر (صلوات الله عليه): يقولُ اللهُ لا أُنزِل عليكم بعد هذه الفريضةِ فريضةٌ"3.
ولهذا أصبحَ يومُ الغديرِ من الأعيادِ المُهمّةِ والمُناسباتِ الأساسيةِ عندَ أهلِ البيتِ (صلوات الله عليهم) وشيعتِهم، بل يَنبغي أن تكونَ في حالةِ عمومِ المسلمين، باعتبار أنَّ فيها كَمُلَ الدينُ وتمتِ النعمةُ ورضيَ الرّبُّ، فقد وردَ عن عبدِ الرّحمنِ بنِ سالمِ عن أبيه قال: سألتُ أبا عبدِ اللهِ (صلوات الله عليه) هل للمسلمينَ عيدٌ غير يومِ الجمعةِ والأضحى والفطرِ؟ قال (صلوات الله عليه): نعم أعظمُها حرمةً، قلتُ: وأيُّ عيدٍ هو جُعلِتُ فِداك؟ قال (صلوات الله عليه): اليومُ الذي نَصَّبَ فيه رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله) أميرَ المؤمنينَ (صلوات الله عليه) وقالَ: من كنتُ مولاه فعليٌ مولاه، قلتُ: وأي يومٍ هو؟ قال (صلوات الله عليه): وما تصنعُ باليومِ إنَّ السنةَ تدورُ، ولكنّهُ يومُ ثمانيةِ عشرَ من ذي الحجةِ، فقلتُ: وما يَنبغي أن نَفعلَ في ذلك اليوم، قال (صلوات الله عليه): تذكرونَ اللهَ عزّ ذكرُه فيه بالصِّيامِ والعبادةِ والذكرِ لمحمدٍ وآل محمد، فإنَّ رسولَ اللهِ أوصى أميرَ المؤمنينَ أن يتخذَ ذلك اليوم عيداً، وكذلك كانت تفعلُ الأنبياءُ، كانوا يوصونَ أوصياءَهم بذلك فيتخذونَه عِيداً"4.
ولأهميةِ الولايةِ لم يُنادى بشيءٍ كما نُوديَ بالولايةِ حسبَ ما وردَ في مضامينَ رواياتٍ مُعتبرةٍ، لما لها من آثارٍ كثيرةٍ وعظيمةٍ على المؤمنِ، فبها قَبولُ الأعمالِ ومن دونِها تكونُ هباءً منثوراً، وبها يُكفر عن الذنوبِ، ويَطهرُ القلبُ ويطمئنُّ، ويكملُ الدينُ ويَنالُ المُؤمنُ بها شفاعةَ رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله) وأهلِ بيتِهِ الطّاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين).
فعلينا أن نَحمِدَ اللهَ عز وجل على عظيمِ نِعمهِ وفضلِه بأن جعلَ قلوبَنا مَعقودةً على محبتِهم ورزقَنا ولايتَهم وجعلَ لسانَنا بذِكرِهم لَهِجاً، فعلينا أن نَمتثلَ لأوامرِهم، وننهجَ نهجَهم ونَسيرَ بسيرتِهم ونَتخلقَ بأخلاقِهم وآدابِهم لِننالَ سعادةَ الدُّنيا والآخرةِ.
ونَختمُ الحَديثَ بهذه الروايةِ، روي عن أبي عبدِ اللهِ الصَّادقِ (صلوات الله عليه) قال: خَرَجتُ أنا وأبي ذاتَ يومٍ إلى المَسجدِ، فإذا هو بأُنَاسٍ من أصحابهِ بين القَبرِ والمِنبرِ، فدنا مِنهم وسَلَّم عليهم، وقال: إني والله لأُحِبُّ ريحَكم وأرواحَكم، فأعِينوا على ذلك بوَرعٍ واجتهاد، واعلموا أنَّ ولايتنا لا تُنَال إلا بالورع والاجتهاد، من أئتَمَّ مِنكم بقومٍ فليعمل بعملهم.
أنتم شيعةُ الله، وأنتم أنصارُ الله، وأنتم السابقون الأولون، والسابقون الآخرون، والسابقون في الدنيا إلى محبتِنا، والسابقون في الآخرة إلى الجنةِ، ضَمِنتُ لكم الجنةَ بضمانِ الله عز وجل، وضمانِ النبي (صلى الله عليه وآله)، وأنتم الطيبون ونساؤكم الطيباتُ"5.
- خلاصة كلمة عيد الغدير (ألقيت في حسينية الصديقة الشهيدة (صلوات الله عليها) في منطقة الوفرة السكنية في ذي الحجة 1445 للهجرة).
- الكلمة مقتبسة من كتاب عيد الغدير للمرجع السيد محمد الشيرازي (قدس سره).
1 – سورة المائدة 67.
2 - ورد بمضامين متعددة راجع بحار الأنوار ج 37.
3 – بحار الأنوار ج 37 ب52 ح29.
4 - الكافي ج 4 باب صيام الرغيب ح36612.
5 - بحار الأنوار ج 65 باب فضائل الشيعة ح118.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق