صلاح النفس
أَعوذُ باللهِ من الشّيطانِ الرَّجيمِ
بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
والحَمدُللهِ ربِّ العَالمينَ بارئ الخَلائِقِ أجمعينَ، باعثِ الأنبياءِ والمُرسلينَ، والصلاةُ والسَّلامُ على خاتَمِ النّبيّينَ أبي القَاسِمِ مُحمّدٍ وآلِهِ الطّيبينَ الطّاهرينَ واللّعنُ الدّائمُ على أعدائِهم أجمعينَ.
- اللهم كن لوليك ....
قالَ الحَكيمُ في كتابِهِ المُبينِ: " فَوَرَبِّكَ لَنَسۡـَٔلَنَّهُمۡ أَجۡمَعِینَ عَمَّا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ " (الحجر 92 – 93).
عِندما نَتأمّلُ في هذه الآيةِ المُباركةِ نُلاحظُ أنَّ جميعَ ما يَصدُرُ من الإنسانِ من قَولٍ وفِعلٍ وعَملٍ سيُسألُ عنه، وقَد دلَّت الرّواياتُ الشّريفةُ بطُرقٍ كَثيرةٍ على هذا المَعنى (وهو سُؤالُ اللهِ وحسابُه يومَ القِيامةِ)، وهنا يَنتبِهُ العَاقلُ إلى ضَرورةِ مُحاسبةِ نَفسِه كما أوصى بذلك النّبيُّ الأعظمُ (صلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ) وأهلُ بيتِهِ الطَّاهرينَ (صلواتُ اللهِ عليهم أجمعينَ)، ومِن جُملةِ هذه الوَصايا وصيةُ رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ) لأبي ذَرّ (رضوانُ اللهِ عليهِ): " يا أبا ذرّ، حَاسِب نَفسَكَ قَبلَ أن تُحَاسَبَ، فإنَّهُ أهوَنُ لِحِسَابِكَ غَداً، وزِن نَفسَكَ قَبلَ أن تُوزَنَ، وتَجَهَّز لِلعَرضِ الأكبَرِ يَومَ تُعرَضُ لا يَخفَى على اللهِ خَافِيَةٌ "1.
فيَنبغي للعبدِ المؤمنِ ألا يَغفلَ عن مُحاسبةِ نَفسهِ ومُراقبتِها، فقد رُوِيَ عن الإمامِ الكَاظمِ (صلواتُ اللهِ عليهِ) أنّه قالَ: "لَيسَ مِنَّا مَن لَم يُحَاسِب نَفسَهُ فِي كُلِّ يَومٍ، فَإن عَمِلَ حَسَناً استَزَادَ اللهَ، وإن عَمِلَ سَيّئاً استَغفَرَ اللهَ مِنهُ وتَابَ إليهِ "2.
فالحَذرَ الحَذرَ من النّفسِ الأَمَّارةِ بالسُّوءِ، فاليَومَ عملٌ ولا حسابَ وغداً حسابٌ ولا عَملَ.
فَمن حَاسَبَ نفسَه خَفَّ في القيامةِ حِسابُه وحَضَرَ عِندَ السُّؤالِ جَوابُه وحَسُنَ مُنقلبُه ومَآبُه، ومَن لم يُحاسِب نفسَه دَامَت حَسَرَاتُه وطَالَت في عَرصَاتِ القِيامةِ وَقَفَاتُه وقَادَتهُ إلى الخِزيِ سَيئاتُه حيثُ قالَ سبحانَه وتَعالى: " وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ " (الحشر 18).
- ولِإصلاحِ النَّفسِ لابُدَّ من أُمورٍ منها:
1 – أن يَتبصَّرَ الإنسانُ عُيوبَه، فإذا أرادَ اللهُ بِعبدٍ خَيراً بَصَّرَه عُيوبَ نَفسِه، فعلينا أن نَتوجَّهَ إلى اللهِ سُبحانَه وتَعالى ونَدعوَهُ بأن يَجعلَ البَصيرةَ في أنفسِنا، وبعدَ ذلك نَبدأُ بإصلاحِ هذهِ العُيوبِ.
2 – مُصاحبةُ الصَّديقِ المُتديِّنِ النَّاصِحِ الشَّفيقِ لِيَكشفَ لك العُيوبَ، فإنّ المُؤمنَ مرآةُ أخيهِ المُؤمنِ وعَينُهُ ودَليلُهُ لا يَخونُه ولا يَخذلُه، فقد رُوِيَ عن الإمامِ الكَاظمِ ( صلواتُ اللهِ عليهِ ): " اجتَهِدُوا في أن يَكُونَ زَمَانُكُم أَربَعَ سَاعَاتٍ، سَاعَةً لِمُنَاجَاةِ الله، وسَاعَةً لأمرِ المعَاشِ، وسَاعَةً لِمُعاَشَرَةِ الإخوَانِ الثِّقَاتِ الَّذِينَ يُعَرِّفُونَكُم عُيُوبَكُم ويُخلِصُونَ لَكُم في البَاطِنِ، وسَاعَةً تَخلُونَ فِيهَا لِلَذَّاتِكُم في غَيرِ مُحَرَّمِ "3.
فَعليكَ اختيارَ الصاحبِ الذي يُعينُك على إصلاحِ نَفسِك وأمرِ آخرتِك.
3 – مُجاهدةُ النَّفسِ ألا وإنّها ثَمنُ الجّنةِ، وجِهادُ النَّفسِ يُحتِّمُ مُراقبتَها في كُلِّ حَركاتِها وسَكناتِها لئلَّا تَقعَ في الغَفلةِ التي تُؤدِّي إلى الحَرامِ والهَلاكِ فاملِك نَفسَكَ بِدَوامِ جِهادِها وعَاتِبها، فَمَن وَبَّخَ نَفسَهُ على العُيوبِ ارتدَعَت عن كَثِيرِ الذُّنوبِ.
4 – تَزكيَةُ النَّفسِ وتَرويضُها على الطَّاعاتِ واجتِنَابِ المُحرماتِ وفِعلِ الخَيراتِ فإنَّها ذَخيرةٌ باقيةٌ وثمرةٌ زَاكيةٌ.
- ولِمُحاسَبَةِ النَّفسِ ثِمارٌ كثيرةٌ مِنها:
1 – السَّعادةُ فَقد رُوِيَ " مَن حَاسَبَ نَفسَهُ سَعِدَ "4.
2 – الأَمنُ فَحاسِبُوا أَنفُسَكم تَأمَنُوا مِن اللهِ الرَّهبَ، وتُدرِكُوا عِندَه الرّغبَ.
3 – الرّبحُ فَقد رُوِيَ " مَن حَاسَبَ نَفسَهُ رَبِحَ ومَن غَفَلَ عَنهَا خَسِرَ "5.
4 – الصَّلاحُ فَقد رُوِيَ " ثَمَرَةُ المُحَاسَبَةِ صَلاَحُ النَّفسِ "6، ورُوِيَ أيضاً " لا خَيرَ في العَيشِ إلاَّ لِرَجُلَينِ: رَجُلٍ يَزدَادُ في كُلِّ يَومٍ خَيراً، ورَجُلٍ يَتَدَارَكُ مَنِيَّتَهُ بِالتَّوبَةِ "7.
ورُوِيَ أيضاً " مَن حَاسَبَ نَفسَهُ وَقَفَ على عُيُوبِهِ، وأَحَاطَ بِذُنُوبِهِ واستَقَالَ الذَّنُوبَ وأَصلَحَ العُيُوبَ"8.
اللهُمَّ إنّي أسألُك بحقِّ مُحمَّدٍ وآلِ مُحمَّدٍ عَليكَ صَلِّي على مُحمَّدٍ وآلِ مُحمَّدٍ واجعلِ النُّورَ في بَصَرِي والبَصِيرَةَ في دِينِي واليَقِينَ في قَلبِي والإخلَاصَ في عَمَلِي والسَّلامةَ في نَفسِي والسّعةَ في رِزقِي والشُّكرَ لك أبداً ما أبقيتَني.
اللهمَّ صلِّ على مُحمَّدٍ وآلِ مُحمَّدٍ، اللهمَّ اجعَل مَحيايَ مَحيا مُحمَّدٍ وآلِ مُحمَّدٍ، ومَماتي مَمَاتَ مُحمَّدٍ وآلِ مُحمَّدٍ، وارزقنَا في الدُّنيَا زِيارتَهم وفي الآخِرةِ شَفاعتَهم، ولا تُفرِّق بيننا وبينهم طرفةَ عَينٍ أبداً في الدُّنيَا والآخرةِ، اللهمَّ انصُر من نَصَرَ أهلَ بيتِ نَبيِّكَ واخذل من خذلَهم، اللهُمَّ اشغل الظّالمينَ بالظّالمينَ واجعَلنَا بينهم سَالمينَ غَانمينَ، اللهُمَّ اجعل هذا البَلدَ آمِناً وسائرَ بلادِ المُسلمينَ، اللهمَّ اغفِر لنا ولوالدَينا وللمؤمنينَ والمُؤمناتِ، اللهمَّ أعِنَّا على تَأديةِ حُقوقِ وَليِّكَ الحجةِ إليهِ، والاجتهادِ في طَاعتِهِ واجتنابِ مَعصيتِه، وامنُن علينا بِرضاهُ وهَب لنا رأفتَه ورَحمتَه ودعاءَه وخَيرَه ما نَنالُ به سعةً من رَحمتِك.
وإلى مَن مَاتَ على ولايةِ أميرِ المُؤمنينَ نُهدي لهم ثوابَ المُباركةِ الفَاتحةِ تَسبقُها الصَّلواتُ.
- خُلاصةُ خطبةِ الجُمُعَةِ ( أُلقِيَت في مَسجدِ أُمِّ البَنِينَ ( عليها السَّلام ) في مَدينةِ صُباحِ الأحمدِ التّاسع من ربيع الأول 1446 للهجرة ).
1 – أمالي الطوسي المجلس 19 ح1162.
2 – الكافي ج2 باب محاسبة العمل ح2.
3 – البحار ج 75 باب مواعظ موسى بن جعفر (ع) ح3.
4/ 6 / 7 - مستدرك الوسائل ج 12 باب وجوب محاسبة النفس ح 5.
5 - الوسائل ج16 بقية أبواب جهاد النفس ح6.
8 – الكافي ج2 باب محاسبة العمل ح15.