الأحد، 5 يناير 2025

كلمات مقتبسة ( رحمة للعالمين )

                رحمة للعالمين

                                                    


 

                        أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ

بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ

   والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ والصلاةُ والسلامُ على المبعوثِ رحمةً للعالمينَ أبي الزهراءِ محمدٍ وآلهِ الطيبينَ الطاهرينَ واللعنُ الدائمُ على أعدائهم أجمعين.

أسعدَ اللهُ أيامَنا وأيامَكم بذكرى ميلادِ نبيِّ الرّحمةِ (صلى الله عليه وآله) وحفيدِهِ الإمامِ جعفرِ بنِ محمّدٍ الصّادقِ (صلوات الله عليه).

قالَ اللهُ الحكيمُ في كتابِه الكريمِ: " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ "1.

    عندما نتأمّلُ في سورةِ الأنبياءِ وبشكلٍ خاصٍّ هذه الآيةِ الشّريفةِ وبشكلٍ عامٍّ الآياتِ التي سبقتها التي ذَكرَت صفاتَ الأنبياءِ وأنَّ اللهَ أعطاهُم شيئاً من الرّحمةِ، ولكن عندما وصلَ الأمرُ إلى الرسولِ الأعظمِ (صلى الله عليه وآله) نجد أنَّ القرآنَ الكريمَ اختصرَ وجودَه المباركَ بأنّه رحمةٌ للعالمينَ، ووقوعُ الرحمةِ بينَ النفيِ والاستثناءِ عندَ علماءِ اللغةِ يفيدُ الحصرَ والقصرَ، أي أنّ غرضَ إرسالِ اللهِ إياهُ للعالمينَ هو الرحمةُ بهم لا شيءَ غيرَ ذلك.

     ولعلَّ المتأمِّلَ يَلحظُ العلاقةَ بينَ "الرّحمنِ الرّحيمِ" وهما صفتَا اللهِ سبحانَه وتعالى اللّتانِ تُفتتَحُ بهما سورُ القرآنِ الكريمِ وأعظمُ تجلٍّ للهِ في خلقِه إذ ما من شيءٍ في الخلقِ إلا وهو يشهدُ برَحمانيّةِ الله ورحيميّتِه " وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ "2، وبينَ أنَّ النبيَّ هو رحمةٌ للعالمين.

وأيضاً يَلحظُ أنَّ الرسولَ الكريمَ (صلى الله عليه وآله) ليسَ رحمةً للعالمينَ (إنسِهم وجِنِّهم) فقط بل لِجميعِ المخلُوقاتِ.

- ومن صورِ وآثارِ رحمةِ رسولِ اللهِ (صلى اللهُ عليه وآلِه):

1 – أنَّه (صلى الله عليه وآله) أمانٌ للأمةِ من العذابِ والهَلَكَةِ كما قالَ سُبحانَه وتعالى: " وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ "3، فببركةِ وجودِه المبارَكِ رفعَ اللهُ الاستِئصالَ والخسفَ والمسخَ وغيرَها من ألوانِ العذابِ الأليمِ مما فُعِلَ في الأمَمِ السابقةِ، وهذه النعمةُ العظيمةُ إنما كانت لشمولِ رحمةِ رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله) للعالمينَ حتى العُصاةِ منهم.

2 – أنّ رحمةَ النبيِّ (صلى الله عليه وآله) شمَلت حتى الكافرين والمشركين الذين حاربُوه وجَهَدُوا على قتلِه، فإنّه لَم يدعُ عليهم بل عفى عنهم عندما فتحَ مكةَ، فهذه صورُ العفوِ والصفحِ والشّفقةِ والرّأفةِ والكَرمِ المُحمّدِيِّ الذي كلُّه رحمةٌ.

3 – أنّ نفسَ بِعثةِ النَّبيِّ (صلى الله عليه وآله) بأن جعلَهُ اللهُ عزّ وجلَّ مُبشِّراً وهَادياً وسِراجاً مُنيراً للعالمينَ يُضيءُ لَهم الطريقَ ويَهديهم إلى الصِّراطِ المُستقيمِ، ويُعلِّمُهم ويُزكِّيهم ويُطهرُهم ويُنذرُهم ويُحذّرُهم، هذا كلُّه بحدِّ ذاتِه رحمةٌ، كما قالَ اللهُ عزّ وجلَّ: " وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا "4.

4 – أنّه (صلى الله عليه وآله) صاحبُ الشفاعةِ الكبرى يومَ المَحشرِ، وما مِن أحدٍ إلا وهو محتاجٌ إلى شفاعتِهِ (صلى الله عليه وآله)، وبهذا المعنى تواترتِ الأخبارُ الوَاردةُ عن محمدٍ وآله الأطهارِ.

منها ما وردَ في عيونِ أخبارِ الرِّضا عن رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله) أنّهُ قالَ: " إنّما شفاعتي لأهلِ الكَبائرِ من أُمتي "5، وفي الخِصالِ عن رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله) أنّه قالَ: " وأمّا شفاعتي ففي أصحابِ الكَبائرِ ما خلا أهلَ الشّركِ والظُّلمِ"6.

وإليكَ هذهِ الروايةَ التي وردت في الكافي عن الإمامِ الكاظمِ (صلوات الله عليه) أنه قال لسَمَاعَةَ: " إذَا كَانَ لَكَ يَا سَمَاعَةُ إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ حَاجَةٌ فَقُل: " اللّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وعَلِيٍّ؛ فَإِنَّ لَهُمَا عِندَكَ شَأناً مِنَ الشَّأنِ، وقَدراً مِنَ القَدرِ، فَبِحَقِّ ذلِكَ الشَّأنِ، وبِحَقِّ ذلِكَ القَدرِ، أَن تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ، وأَن تَفعَلَ بِي كَذَا وكَذَا " (وهنا موطن الشاهد) فَإِنَّهُ إذَا كَانَ يَومُ القِيَامَةِ، لَم يَبقَ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، ولَا نَبِيٌّ مُرسَلٌ، ولَا مُؤمِنٌ مُمتَحَنٌ إِلَّا وهُوَ يَحتَاجُ إِلَيهِمَا فِي ذلِكَ اليَومِ "7.

5 – عرَفنا أنّ شريعتَه (صلى الله عليه وآله) هي الشريعةُ السّمحاءُ من خلالِ أحكامِها المَبنِيّةِ على الرحمةِ واليُسرِ والتَّسهيلِ.

6 – أنّه ببركتِه (صلى الله عليه وآله) خَلقَ اللهُ الخَلقَ ولولاهُ لم يَخلُقِ الخَلقَ، فبسببِه (صلى الله عليه وآله) أخرجَنا اللهُ من العَدمِ إلى الوجودِ، ويُشيرُ إلى هذا المعنى ما وردَ في حديثِ الكِساءِ " وما خلقتُ سماءً مبنيةً ولا أرضاً مدحيةً إلا لأجلِهم " وغيرُها الكثيرُ.

7 – من المعلومِ أنّ اللهَ سبحانَه وتعالى هو الرزّاقُ الذي يُغني عبادَه وهو التوحيدُ الخالصُ، ولكنّ اللهَ سبحانَه وتعالى في القرآنِ الكريمِ كما يَنسبُ إغناءَ الخلقِ إليهِ، ينسبُه إلى رسولِه فيقولُ: " وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ "8، فبه (صلى الله عليه وآله) يُرزقُ الوَرى.

هذا كلُّه في رحمةِ رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله)، وهذه الرحمةُ مستمرةٌ غيرُ منقطعةٍ وامتدَّت في الأئمةِ الأطهارِ (صلوات الله عليهم)، فهذه الرحمةُ من خاتمِ الأنبياءِ (صلى الله عليه وآله) إلى خاتمِ الأوصياءِ (عجل الله فرجه).

   والحديثُ حولَ شخصيةِ الإمامِ الصّادقِ (صلوات الله عليه) وأدوارِه يطولُ ولكن نُسلِّطُ الضوءَ حولَ رسالتِه إلى الشيعةِ، وذلك لأهميَّتِها وفائدتِها الواردةِ في الكافي مَطلعِ الجزءِ الثامنِ (وهي قرابةُ تسعِ صفحاتٍ)، حيثُ أَمَرَهُم بِمُدَارَسَتِهَا والنَّظَرِ فِيهَا وتَعَاهُدِهَا والعَمَلِ بِهَا، فَكَانُوا يَضَعُونَهَا في مَسَاجِد بُيُوتِهِم فَإذَا فَرَغُوا مِنَ الصَّلاةِ نَظَرُوا فِيهَا.

ومن جَرّاءِ العَملِ بأمثالِ هذه الوَصايا تَربّى رِجالٌ أفذاذٌ أمثالُ زرارةَ وابنِ أبي عمير ومحمدِ بن مسلمٍ (رضوان الله عليهم) وآخرونَ.

     فمن جملةِ ما أوصانا به الإمامُ (صلوات الله عليه) أن نلجأَ إلى اللهِ عزّ وجلَّ فقالَ: " فاسألوا رَبَّكُمُ العَافِيَةَ وعَلَيكُم بِالدَّعَةِ والوَقَارِ والسَّكِينَةِ، وعَلَيكُم بِالحَيَاءِ والتَّنَزُّهِ عَمَّا تَنَزَّهَ عَنهُ الصَّالِحُونَ قَبلَكُم "9.

         وتحدثَ (صلوات الله عليه) عن مكارمِ الأخلاقِ وكيفيّةِ معاملةِ الآخرينَ والعملِ بآثارِ النبيّ (صلى الله عليه وآله) والتأدبِ بآدابِه والسيرِ بسيرتِه، إلى أن قال: " واعلَمُوا أَنَّ أَحَداً مِن خَلقِ اللهِ لَم يُصِب رِضَا اللهِ إلَّا بِطَاعَتِهِ وطَاعَةِ رَسُولِهِ وطَاعَةِ وُلَاةِ أَمرِهِ مِن آلِ مُحَمَّدٍ (صَلَواتُ اللهِ عَلَيهِم)، ومَعصِيَتُهُم مِن مَعصِيَةِ الله، ولَم يُنكِر لَهُم فَضلاً عَظُمَ أَو صَغُرَ ".

      عندَ التأمُّلِ في هذه الجُزئيةِ من كلامِ الإمامِ (صلوات الله عليه)، نجدُ أنّه استعملَ كلمةَ (أحداً) وهي نكرةٌ في سياقِ النّفيِ فتُفيدُ العمومَ والشمولَ ولم يَطلها التخصيصُ والاستثناءُ، ومعناها أنّه ليس لأحدٍ نيلُ رضا الله سبحانه وتعالى من دون اتّباعِ تعاليمِه وتعاليمِ رسولِه وتعاليمِ أولي الأمرِ وهم آلُ بيتِ الرّسولِ (صلوات الله عليهم أجمعين).

فإذا اجتمعت هذه الخصائصُ الثلاثُ طاعةُ اللهِ ورسولِه وأهلِ البيت في أحدٍ فقد أصابَ رضا اللهِ سبحانَه وتعالى ولن ينالَ أحدٌ رضا الله لو فقدَ إحدى هذه الخصائصِ الثلاث.

فلا يُمكنُ القَبولُ بالقرآنِ الكريمِ من دونِ الرسولِ (صلى الله عليه وآله)، ولا ثمرةَ للإيمانِ بالقرآن والرسولِ إذا كان منفكاً عن الإيمانِ بخلفائِه وأوصياءِه.

فلابدَّ للمؤمنِ بعدَ الإيمانِ بهم وطاعتِهم عدمُ إنكارِ فضائلِهم ومناقبِهم.

         وقد ختمَ الإمامُ (صلوات الله عليه) رسالتَه بهذه الكلماتِ وقد أقسمَ بالله عز وجل فقال: " واللهِ لَا يُطِيعُ اللهَ عَبدٌ أَبَداً إلَّا أَدخَلَ اللهُ عَلَيهِ في طَاعَتِهِ اتِّبَاعَنَا ولَا واللهِ لَا يَتَّبِعُنَا عَبدٌ أَبَداً إلَّا أَحَبَّهُ اللهُ ولَا واللهِ لَا يَدَعُ أَحَدٌ اتِّبَاعَنَا أَبَداً إلَّا أَبغَضَنَا، ولَا واللهِ لَا يُبغِضُنَا أَحَدٌ أَبَداً إلَّا عَصَى اللهَ، ومَن مَاتَ عَاصِياً لِلهِ أَخزَاهُ اللهُ وأَكَبَّهُ عَلى وجهِهِ فِي النَّارِ ".

فلنَحمدِ اللهَ عز وجل أن جعلَنا من شيعتِهم ومحبيهم وخصَّنا بولايتِهم طيباً لخلقِنا وطهارةً لأنفسِنا وتزكيةً لنا وكفارةً لذنوبِنا.

- خلاصة كلمة مولد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ألقيت في مسجد الإمامين الكاظم والهادي ( صلوات الله عليهما ) في منطقة القيروان ليلة السابع عشر من ربيع الأول 1446 للهجرة.

- الكلمة مقتبسة من كتاب نهج الشيعة لسماحة المرجع السيد صادق الشيرازي (دام ظله)، وكتاب رحمة للعالمين للشيخ فوزي آل سيف (حفظه الله).

1 -  سورة الأنبياء 107.

2 – سورة الأعراف 156.

3 – سورة الأنفال 33.

4 – سورة الأحزاب 46.

5 – عيون أخبار الرضا ج2 ب11 ح35.

6 – الخصال باب السبعة ح 36.

7 – الكافي ج2 باب الدعاء للكرب ح21.

8 – سورة التوبة 74.

9 – روضة الكافي ج8 ح1.

الجمعة، 30 أغسطس 2024

كلمات قصيرة ( لَبِنَةُ المجتمع )

 لَبِنَةُ المجتمع


خلق الله عز وجل هذا الكون العظيم وجعل له نظاماً دقيقاً، وخلق الإنسان ليعمر في الأرض ويصلح، وأرسل له الرسل والأنبياء لكي يرشدوه إلى الصراط المستقيم، وشرع له أحكاماً ترشده إلى الصواب و السعادة والنجاح، وأعطاه العقل الذي به تميز عن العجماوات. 


إن الإسلام بين للإنسان من خلال تشريعاته كيف تكون علاقته مع ربه، و علاقته مع المجتمع، ودائماً يحث الإسلام على الترابط والتكاتف والمودة مع الآخرين. 


ومن الأُمور التي اهتم بها الإسلام هي الأسرة لما لها من آثار كبيرة على المجتمع من حيث المصالح و المفاسد، فقد ورد الحث على الزواج في روايات عديدة، منها قوله (ص): "شرار موتاكم العزاب"، و قوله (ص): "تناكحوا تناسلوا"، وعن أبي عبدالله عن آبائه (عليهم السلام)، عن النبي (صلى الله عليه و آله) أنه قال: "ما استفاد امرؤ مسلم فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة تسره إذا نظر إليها وتطيعه إذا أمرها وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله"، إلى غيرها من الروايات التي تحث على الزواج. 


وأيضاً تطرقت الروايات إلى كيفية اختيار الزوجة وأهميتها لما لها من آثار على الأولاد الذين ستربيهم وتخرجهم لهذه الحياة، فاختيار الزوجة ليس بالشيء الهين، بل لابد أن تهتم به وتعرف من التي ستكون شريكة حياتك ومربية أولادك. 


وينبغي أن يتخير من النساء: البكر، الولود، العفيفة، الكريمة الأصل، ولا يقتصر على الجمال والثروة فربما حرمهما، فلابد للإنسان أن يحسن الاختيار لكي تكون عوناً له في بناء هذه الأسرة التي ستساهم في بناء المجتمع وتنميته وتقدمه وتطوره، فللزوجة دور كبير في صناعة المجتمع لأنها هي من تربيهم وتعلمهم، ومن خلال تصرفاتها يتعلم الأولاد أيضاً.


فأنت باختيارك سترسم مستقبلك ومستقبل أُسرتك، وتكون انعكاسات تربيتهم على المجتمع، فإذا أحسنت الاختيار تكون انعكاسات أفعالهم تعود بالإيجابية للمجتمع، وأما إذا أسأت الاختيار فتكون الإنعكاسات السلبية عليك وعلى أُسرتك والمجتمع الذي تعيش فيه، فاحرص على اختيار من تصونك وتحفظك ومن تعينك في الشدائد وترافقك في حياتك وتفرح بإنجازاتك، وتزرع الحب والنجاح في قلوب الأولاد، فأنت تزرع حتى تحصد في المستقبل وترى ثمار هذه الشجرة ...


وفقنا الله وإياكم وجعلنا من المساهمين في بناء الأسرة الكريمة التي تقود المجتمع إلى الفلاح و النجاح و التقدم.



الخامس من شوال ١٤٣٩ هـ

كلمات قصيرة ( الصداقة )

الصداقة

قال الله تبارك وتعالى: " الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ".


للصداقة أثر كبير في حياة الإنسان؛ في سلوكه وفكره وثقافته، ولذا نجد أن الإسلام بين لنا أهمية الصديق وكيفية اختياره في روايات عديدة وردت عن أهل بيت العصمة -صلوات الله عليهم- فلابد للإنسان أن يقف على تلك الروايات ويتأملها ويتخذها ميزاناً عند اختيار من يصاحب ويصادق. 

روي في الكافي عن أبي عبدالله -عليه السلام- قال: لا تكون الصداقة إلا بحدودها، فمن كانت فيه هذه الحدود أو شيء منها فانسبه إلى الصداقة ومن لم يكن فيه شيء منها فلا تنسبه إلى شيء من الصداقة؛ فأولها أن تكون سريرته وعلانيته لك واحدة، والثاني أن يرى زينك زينه وشينك شينه، والثالثة أن لا تغيره عليك ولاية ولا مال، والرابعة أن لا يمنعك شيئاً تناله مقدرته، والخامسة وهي تجمع هذه الخصال أن لا يسلمك عند النكبات.

فالصداقة الحقيقية هي التي بُنيت على التقوى والورع والمحبة والمروءة بعيداً عن النفاق والخديعة والكذب. 

فينبغي لنا أن نختار الصديق المؤمن الصالح الخلوق الذي يعيننا على الورع والتقوى ويقربنا إلى الله -جل وعلا- ويكون لنا ناصحاً أميناً صادقاً لا يقرّب البعيد ولا يبّعد القريب ولا يحسّن القبيح ويقبّح الحسن، ويكون السند والعون وقت الشدائد. 

 فهو السند لك وقت الصعاب، والمخلص لك في نصحه، والحذر كل الحذر من مصاحبة الفاجر؛ فإنه يزين لك القبيح وفعل الحرام، ويحب أن تكون مثله، فيبعدك عن الله -عز وجل- وأيضاً الحذر من الأحمق فلا خير في مشورته ولا يعينك في الشدة، والحذر من مصاحبة الكذاب؛ فإنه يبعدك عن الحقيقة ويبعد الناس من حولك وينقل كلامك وينقل كلام غيرك لك بالكذب والخديعة.


والصداقات يوم القيامة تنتهي إلا صداقات المتقين


ويقول الشاعر أبو الفتح البستي: 


إذا اصطفيتَ امرأً فليكنْ  

                     شريفَ النِّجار زكيَّ الحَسَبِ 

فنذل الرجالِ كنذلِ النَّباتِ  

                        فلا للثمارِ ولا للحطبِ




الثاني من صفر ١٤٤٥ هـ -  ١٩ / ٥ / ٢٠٢٣م  

كلمات قصيرة ( فاكهة المجالس )

  فاكهة المجالس


قال الله تعالى:- " وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ  " الحجرات ١٢ 


‏ اهتم الإسلام ببناء المجتمع من جهات مختلفة عديدة من خلال تشريعاته، وكيف تكون علاقة الفرد مع ربه، وعلاقته مع المجتمع، بما فيه من الفوائد الكثيرة التي تعود على الفرد والمجتمع، ودائماً يحث الإسلام على الترابط والتكاتف والوحدة والمودة… 


فمن هذا المنطلق بينت الآيات الكريمة والروايات الشريفة الأخلاق الحسنة التي يجب أن يتحلى بها المسلم وأن يتجنب الرذائل الخلقية، التي تدمر الفرد وتفكك المجتمع، فإذا تحلى كل فرد من المجتمع بحسن الأخلاق وامتثل لأوامر رب العالمين وتجنب نواهيه الواردة في القرآن الكريم والروايات الشريفة فسيكون هذا المجتمع مترابطاً متماسكاً ويتحقق بذلك الأمن الاجتماعي. 


فمن الآفات التي تدمر المجتمع وتهدد كيانه ووحدته الغيبة، ولتقبيح هذا الفعل فقد مثّل وصّور القرآن الكريم الغيبة بمثال يجسد بشاعته، لما فيه من مس كرامة الآخرين وسمعتهم وإفشاء سرهم، فلا بد للمؤمن أن يلتفت إلى كلامه ولا يغتب أحدًا لئلا يرتكب بذلك الكبائر. 


روي عن النبي الأعظم (ص):- "الغيبة أسرع في دين الرجل المسلم من الآكلة في جوفه" (الكافي ، ج٢ ، باب الغيبة ، ح١) 


فهذا المرض الخطير الذي يهدم دين الفرد ويفكك المجتمع المعبر عنه اليوم بفاكهة المجالس، فلا بد للمؤمن أن يبتعد عنه وعن مجالسه ويحذر الآخرين من آفاته.

 ومفهوم الغيبة ذكر الآخر بما يكره من كشف عيبه، لعل منهم من يجهل مصاديق الغيبة ولعل الآخر يقدم بعض الأعذار الواهية لينال من كرامة الآخرين وسمعتهم التي صانها الله عز وجل  من خلال تعاليمه وبين آثار الغيبة ومفاسدها وآفاتها لما لها من إشاعة للفاحشة في المجتمع وتلويثه. 


وللغيبة بواعث ودواعٍ تدفع الإنسان إليها منها: الأنانية، الحقد، الحسد، وغيرها من الصفات القبيحة التي تجعلك تنال من الآخرين وينتج عنها تفكك المجتمع وتدميره، فالحذر الحذر. 


روي عن أبي عبد الله (ع):- " الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره الله عليه " (الكافي ، ج٢ ، باب الغيبة ، ح٧) 


ولعلاج هذا المرض الخطير وتطهير النفس منه، لابد أن يقف الإنسان عند الباعث والداعي إلى ارتكاب هذا الفعل الشنيع من عداوة أو حسد أو حقد أو غيره. 


وبعد أن يعرف ما يبعثه إلى هذه المعصية الكبيرة يبدأ بتطهير قلبه من هذه الرذائل ويفكر في عواقبها في الدنيا والآخرة، ثم ينتقل إلى التوبة والاستغفار من هذه الذنوب العظيمة. 


وإذا التزم كل فرد منا بتعاليم الدين الحنيف سنجد مجتمعاً متماسكاً متجانساً متكاتفاً متحاباً. 


جعلنا الله وإياكم من الساعين إلى تطهير نفوسنا وقلوبنا  من المعاصي والذنوب بمحمد وآله الطيبين الطاهرين.



١٢ جمادى الآخرة ١٤٤٥ هـ 

كلمات مقتبسة في فضل أمير المؤمنين ( صلوات الله عليه )

  أَعوذُ باللهِ مِنَ الشّيطانِ الرّجيمِ بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ والصّلاةُ والسّلامُ على أشرفِ الأنبياءِ والمُرسَلِينَ أبِي الزّهراءِ مُ...